تسعى التفكيكية، كما نظَّر لها جاك دريدا، إلى إعادة النظر في تاريخ الفلسفة الغربية، وذلك من خلال تبني منظور نقدي يحاول الكشف عن المضمرات الخطابية العميقة لهذه الفلسفة. سيقر دريدا، انطلاقا من هذا المنظور، أن الفلسفة الغربية قامت على مجموعة من الثنائيات الصلبة، من خلالها تم حصر جميع الإمكانات، الإبستمولوجية والخطابية، في التقابل الحاصل بين “مركز” و”هامش”؛ مركز يقوم على هيمنة اللوغوس، وهامش يتجسد في كل ما هو مضاد للوغوس. هذه الثنائية الحدية، ستتجسد على المستوى الحضاري، حسب دريدا، في الغرب بوصفه مركزا، والشرق بوصفه هامشا.
أراد دريدا أن يعيد الاعتبار للهامش، وأن يقوض كل المركزيات التي تسعى إلى فرض نمط واحد من التفكير، وتقصي كل إمكانية للاختلاف وإنتاج خطابات بديلة. وسعيه هذا جعله يدخل ضمن زمرة من منظري فلسفة الاختلاف بالإضافة إلى فوكو ودولوز…إلخ. لكن السؤال المطروح هو: إلى أي حد يمكن اعتبار التفكيكية قادرة على تزويدنا بأساس إبستمولوجي يمكننا من إنتاج خطابات بديلة للخطاب الغربي؟ ألا تشكل التفكيكية ذاتها وجها من أوجه الحضارة الغربية والخطاب الغربي؟
يمكن القول إن التفكيكية، مهما ادعت تجاوزها لتاريخ الفلسفة الغربية، وقدرتها على فتح آفاقا جديدة للتفكير تحفظ الاختلاف والتعدد الذي يميز حضور الإنسان في العالم، إنها مهما ادعت ذلك، تظل في النهاية خطابا غربيا، لا يتجاوز الغرب إلا من أجل إنتاج غرب جديد لا يحاور إلا نفسه، ولا يسمع إلا صوته. وعليه، إن الركون إلى هذا النمط من التفكير، الما بعد حداثي، لن يمكننا من إنتاج خطابات بديلة، ولن يمكن الهامش من أخذ زمام المبادرة، وبالتالي لن يسمع صوته، ولن يكون سوى صدى لصوت الغرب.
حاجتنا، إذن، ماسة إلى منظور جديد، يفي بالرهان المطروح أمام دول العالم الثالث المهمشة، ويمكنها من إطلاق صرختها الوجودية، التاريخية، السياسية…إلخ. وفي هذا السياق، يفرض المنظور الديكولونيالي نفسه، بوصفه منظورا يروم التفكير في الخطابات والنظم المعرفية في تعالقها مع السلطة والقوى التاريخية الفاعلة فيها، فمن دون هذا الربط بين الخطاب/ المعرفة والسلطة، لن يتمكن الهامش من إنتاج خطاب جديد يعبر فيه عن أفقه الإبستمولوجي المغاير لإبستمولوجيا الغرب، ويضمنه أسباب تحرره وانعتاقه.
لا سبيل، إذن، إلى التحرر والخروج من الهامش ودائرة المقصيين، إلا انطلاقا من عصيان إبستمولوجي – بلغة مينيولي – يتم فيه فك الارتباط بالغرب الكولونيالي، ولا يمكن أن يتحقق هذا العصيات إلا بتبني رؤية ديكولونيالية جذرية، تقطع مع جميع الخطابات الغربية والمثاليات الكونية المسكونة بأطماع كولونيالية وبسلطة متعطشة للهيمنة، وتؤسس لخطاب جديد يجسد إرادة الهامش في التحرر والانعتاق وتقود إلى استرجاع إنسانية الإنسان المفقودة في غياهب نقاشات يقال عنها زورا أنها نقاشات إنسانية.